في أواخر عام 2016، أعلن «ليام فوكس»، الذي كان يشغل آنذاك منصب وزير الدولة لشؤون التجارة الدولية، وهو منصب استُحدث في أعقاب التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) – مولد «عالم تجاري ما بعد الجغرافيا». ومع كسر التكنولوجيا لحواجز الزمن والمسافة، لم يكن هناك داعٍ للقلق بشأن مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي، أكبر سوق موحدة في العالم ومنطقة التجارة الحرة التي بجواره. وكل ما افترضه الاقتصاديون، بشأن الفوائد الجاذبة لكون الدولة جغرافياً جزءاً من أوروبا، سيتم التغلب عليه بسهولة عن طريق التجارة مع القارات الأخرى، بغض النظر عن بعد المسافة.
وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات، وبعد أن أصبح «بريكست» حقيقة الآن، ما زلنا ننتظر العالم ما بعد الجغرافيا وما بعد الجاذبية. وأظهر تحليل جديد لـ «بلومبيرج إيكونوميكس» عن التجارة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، أن الكتلة المكونة من 27 دولة كانت إلى حدٍ كبير أكبر شريك تجاري للبريطانيين في العام الماضي، حيث بلغت قيمة تدفقات السلع 436 مليار جنيه إسترليني (567 مليار دولار). وعلى أساس الدولة الواحدة، كان حجم تجارة بريطانيا مع ألمانيا، تقريباً، في نفس مستوى تجارتها مع الولايات المتحدة. ويظهر تحليل لبيانات 2018 أيضاً، أن الاتحاد الأوروبي هو أفضل وجهة تصدير خدمات المملكة المتحدة. وسواء كان ذلك بسبب المناطق الزمنية أو الاجتماعات المباشرة، أو العلاقة الوثيقة بين الخدمات والسلع، فلا يزال القرب مهماً بالنسبة لكل أنواع التجارة.
هذا يشير إلى وجود حافز اقتصادي كبير للحفاظ على علاقة تجارية وثيقة ما بعد «بريكست». وفي الواقع، تحدث الجانبان عن هدف تجارة «التعريفة الجمركية الصفرية والحصص الصفرية» فيما يشرعان في مناقشات لإبرام علاقة جديدة. ومع تبقي أقل من 11 شهراً لتجنب العودة إلى الشروط الأساسية لمنظمة التجارة العالمية، لماذا تراهن بريطانيا على عالم «ما بعد الجغرافيا» لم يتحقق؟
لقد فاز بوريس جونسون «الذي نفذ بريكست» بأغلبية في برلمان المملكة المتحدة، وهو يتمتع بانتعاش اقتصادي. والتضحية بأهم وأقرب شريك للمملكة المتحدة تبدو مثل إيذاء الذات، خاصة إذا كانت التوقعات الاقتصادية لحكومته، بالنسبة لـ 15 عاماً المقبلة، لا تتوقع إبرام اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة لتعويض الضرر المحتمل.
ومع ذلك، رسم المفاوض البريطاني «ديفيد فروست» هذا الأسبوع صورة مختلفة نوعاً ما عن الحوافز البريطانية، التي تبدو متأثرة بالتفاؤل «في مرحلة ما بعد الجغرافيا» كما كان الحال في عام 2016. ورفض أي فكرة مفادها أن التوقعات الاقتصادية بشأن حواجز التداول بعد «بريكست»، قد أخِذَت على محمل الجد في «وايت هول» (مقر الحكومة البريطانية)، قائلاً إن الإحصائيين بالغوا في تأثير الحواجز غير التعريفية (أي التنظيم) والرسوم الجمركية «بأوامر بهذا الحجم». وقال إن الاقتصاديين كانوا يتوقعون تأثيرات «كبيرة بشكل لا يصدق» على إنتاجية الدولة الجزرية، نتيجة لأسباب زائفة. وقال إن التقلبات المستقبلية، المتمثلة في زيادة التجارة مع بقية العالم، يتم تجاهلها.
إن رسالة «فروست» لا تعني أنه لا يجب الثقة في اقتصاديي المدرسة القديمة، بل تعني أنه بعد 47 عاماً من التجارة المفيدة مع الاتحاد الأوروبي كعضو، لا يبدو أن المملكة المتحدة تعتقد أن تكلفة تغيير هذا الوضع باهظة – حتى مع العودة إلى شروط منظمة التجارة العالمية. لكن الرسالة تستهدف كبير المفاوضين في الاتحاد الأوروبي «مايكل بارنييه»، الذي أوضح أنه إذا لم تكن بريطانيا ترغب في الوصول إلى أسواق الاتحاد الأوروبي بعمق، فعليها أن تلتزم بمساحة متكافئة بشأن القواعد البيئية وقواعد العمل والمساعدات الحكومية. وقد أشار فروست إلى أن المملكة المتحدة سيكون لديها الحافز لاختيار علاقة تجارية بعيدة كرد فعل، وفي النهاية تحرر نفسها من التوافق التنظيمي مع الاتحاد الأوروبي الذي وصفه جونسون ذات مرة بأنه «إذلال أخلاقي وفكري». وربما يكون فروست محقاً في أن أي تنبؤ يخرج عن نطاق 15 عاماً لا يجب أن يُعتد به، وأن مقبرة التنبؤات الاقتصادية السيئة لم تمتلئ بعد. إن النظرة العالمية لـ «بريطانيا العالمية» -رؤية المملكة المتحدة ما بعد «بريكست» لجزيرة ذات تجارة حرة –أصبحت الآن أن منافع التجارة الجغرافية قديمة، وأن الحواجز غير التعريفية معقولة، وأن التكاليف الجمركية يمكن تعويضها بمميزات «العوامل الأخرى». إنها توسع فكرة أن تكون مؤيداً للتجارة الحرة.
وفي حين أن «فروست» ليس هو الوحيد الذي يتساءل بشأن مدى تأثير كثافة التجارة بشكل غير مباشر على الإنتاجية، فإن موقفه الرافض مثير للفضول، بالنظر إلى الحالة الحديثة للمملكة المتحدة باعتبارها متخلفة في الإنتاجية بين دول مجموعة السبع. واعتباراً من العام الماضي، كانت إيطاليا هي الوحيدة، التي كان أداؤها هو الأسوأ في الإنتاجية منذ الأزمة المالية. وربما يحاول جونسون معالجة هذا الأمر من خلال تحفيز المزيد من الاستثمار، ولكن أمامه طريق طويل ليقطعه.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات، وبعد أن أصبح «بريكست» حقيقة الآن، ما زلنا ننتظر العالم ما بعد الجغرافيا وما بعد الجاذبية. وأظهر تحليل جديد لـ «بلومبيرج إيكونوميكس» عن التجارة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، أن الكتلة المكونة من 27 دولة كانت إلى حدٍ كبير أكبر شريك تجاري للبريطانيين في العام الماضي، حيث بلغت قيمة تدفقات السلع 436 مليار جنيه إسترليني (567 مليار دولار). وعلى أساس الدولة الواحدة، كان حجم تجارة بريطانيا مع ألمانيا، تقريباً، في نفس مستوى تجارتها مع الولايات المتحدة. ويظهر تحليل لبيانات 2018 أيضاً، أن الاتحاد الأوروبي هو أفضل وجهة تصدير خدمات المملكة المتحدة. وسواء كان ذلك بسبب المناطق الزمنية أو الاجتماعات المباشرة، أو العلاقة الوثيقة بين الخدمات والسلع، فلا يزال القرب مهماً بالنسبة لكل أنواع التجارة.
هذا يشير إلى وجود حافز اقتصادي كبير للحفاظ على علاقة تجارية وثيقة ما بعد «بريكست». وفي الواقع، تحدث الجانبان عن هدف تجارة «التعريفة الجمركية الصفرية والحصص الصفرية» فيما يشرعان في مناقشات لإبرام علاقة جديدة. ومع تبقي أقل من 11 شهراً لتجنب العودة إلى الشروط الأساسية لمنظمة التجارة العالمية، لماذا تراهن بريطانيا على عالم «ما بعد الجغرافيا» لم يتحقق؟
لقد فاز بوريس جونسون «الذي نفذ بريكست» بأغلبية في برلمان المملكة المتحدة، وهو يتمتع بانتعاش اقتصادي. والتضحية بأهم وأقرب شريك للمملكة المتحدة تبدو مثل إيذاء الذات، خاصة إذا كانت التوقعات الاقتصادية لحكومته، بالنسبة لـ 15 عاماً المقبلة، لا تتوقع إبرام اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة لتعويض الضرر المحتمل.
ومع ذلك، رسم المفاوض البريطاني «ديفيد فروست» هذا الأسبوع صورة مختلفة نوعاً ما عن الحوافز البريطانية، التي تبدو متأثرة بالتفاؤل «في مرحلة ما بعد الجغرافيا» كما كان الحال في عام 2016. ورفض أي فكرة مفادها أن التوقعات الاقتصادية بشأن حواجز التداول بعد «بريكست»، قد أخِذَت على محمل الجد في «وايت هول» (مقر الحكومة البريطانية)، قائلاً إن الإحصائيين بالغوا في تأثير الحواجز غير التعريفية (أي التنظيم) والرسوم الجمركية «بأوامر بهذا الحجم». وقال إن الاقتصاديين كانوا يتوقعون تأثيرات «كبيرة بشكل لا يصدق» على إنتاجية الدولة الجزرية، نتيجة لأسباب زائفة. وقال إن التقلبات المستقبلية، المتمثلة في زيادة التجارة مع بقية العالم، يتم تجاهلها.
إن رسالة «فروست» لا تعني أنه لا يجب الثقة في اقتصاديي المدرسة القديمة، بل تعني أنه بعد 47 عاماً من التجارة المفيدة مع الاتحاد الأوروبي كعضو، لا يبدو أن المملكة المتحدة تعتقد أن تكلفة تغيير هذا الوضع باهظة – حتى مع العودة إلى شروط منظمة التجارة العالمية. لكن الرسالة تستهدف كبير المفاوضين في الاتحاد الأوروبي «مايكل بارنييه»، الذي أوضح أنه إذا لم تكن بريطانيا ترغب في الوصول إلى أسواق الاتحاد الأوروبي بعمق، فعليها أن تلتزم بمساحة متكافئة بشأن القواعد البيئية وقواعد العمل والمساعدات الحكومية. وقد أشار فروست إلى أن المملكة المتحدة سيكون لديها الحافز لاختيار علاقة تجارية بعيدة كرد فعل، وفي النهاية تحرر نفسها من التوافق التنظيمي مع الاتحاد الأوروبي الذي وصفه جونسون ذات مرة بأنه «إذلال أخلاقي وفكري». وربما يكون فروست محقاً في أن أي تنبؤ يخرج عن نطاق 15 عاماً لا يجب أن يُعتد به، وأن مقبرة التنبؤات الاقتصادية السيئة لم تمتلئ بعد. إن النظرة العالمية لـ «بريطانيا العالمية» -رؤية المملكة المتحدة ما بعد «بريكست» لجزيرة ذات تجارة حرة –أصبحت الآن أن منافع التجارة الجغرافية قديمة، وأن الحواجز غير التعريفية معقولة، وأن التكاليف الجمركية يمكن تعويضها بمميزات «العوامل الأخرى». إنها توسع فكرة أن تكون مؤيداً للتجارة الحرة.
وفي حين أن «فروست» ليس هو الوحيد الذي يتساءل بشأن مدى تأثير كثافة التجارة بشكل غير مباشر على الإنتاجية، فإن موقفه الرافض مثير للفضول، بالنظر إلى الحالة الحديثة للمملكة المتحدة باعتبارها متخلفة في الإنتاجية بين دول مجموعة السبع. واعتباراً من العام الماضي، كانت إيطاليا هي الوحيدة، التي كان أداؤها هو الأسوأ في الإنتاجية منذ الأزمة المالية. وربما يحاول جونسون معالجة هذا الأمر من خلال تحفيز المزيد من الاستثمار، ولكن أمامه طريق طويل ليقطعه.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»